الأحد، 30 أكتوبر 2022

الفجوة

 (٦)

الفجوة

من الظواهر المسكوت عنها في زمننا المعاصر ، ظاهرة وجود فجوة في التفاهم والتواصل بين الاجيال المختلفة .

وتبدو هذه الفجوة واضحة في شعور الضيق الذي يشعر به الجيل الأكبر سنا ً إذا تصادف ومر بجانبه مجموعات من الشباب بأصواتهم الصاخبة واسلوبهم في التحدث مع بعضهم البعض ، أو طريقتهم في قيادة سياراتهم وموسيقاهم  وأغانيهم ، فيتبادل الكبار الحديث حول جيل الشباب الذي لا يفهم في الغناء ولا الموسيقى ولا حتى الذوق.

بينما يرى الشباب أن العصر كله قد تغير ، وإن الجيل الأكبر لا يواكب هذا التغير ، وأن السرعة أصبحت سمة كل شيء. 

شاهدت ذات مرة برنامج كان عنوانه " حوار مع الشباب " وأخذت المذيعة وضيوفها  يتحدثون عن زمن الفن الجميل ورموزه المعروفة ، ثم أخذوا في السخرية من الأغاني الشبابية ، وكثير من الاعلاميين لدينا - المسموح لهم بالظهور -  فقراء كثيرا في قدراتهم على إدارة حوار ، فحدث أن طلب أحد الضيوف من جمهور الحاضرين من الشباب  أن يقوم ليعرض وجهة نظره ، فقام شاب يبدو من ملابسه وتسريحة شعره أنه ينتمي بوضوح إلى جيله ، فقال تريدون منا أن نستمع لما كنتم تستمعون  إليه منذ أكثر من أربعين سنة ، فتقول المذيعة: نستمع الان إلى السيدة فلانة رحمها الله بكلمات فلان رحمه الله وألحان فلان رحمه الله .... فهل هذا غناء أم عزاء !!!

كان هذا في عقد التسعينيات...

ثم جاءت القنوات التلفزيونية وشبكة الانترنت وتطبيقاتها فعاشها الشباب بقوة ، ورفضها الكثير من الجيل الأكبر أو تابعها مضطراً ، أو شارك على حذر ...فرأينا الشباب في التجمعات ممسكاً بالتليفون المحمول ، زاهداً فيما حوله ، وجيل الآباء رافضاً لهذه السلوكيات مطالباً الشباب بعدم الغرق في العوالم الافتراضية ، ولم يستمع الشباب  وزادت الفجوة.

ثم جاء العامل الذي يبدو أنه قد انتهى بينما ما زالت تبعاته تؤثر كثيراً ، وهو ثورة يناير ، فقد سقط كثيرا من المفاهيم عند الشباب التي يرى جيل الآباء إنها من الثوابت ، وزادت اتساع الفجوة ، ليس بين الاجيال فحسب ، بل داخل نفس الجيل .

ولهذا نحتاج أن يتحاور كل من له قدرة على الحوار ، حتى نفهم ماذا حدث ، وكيف نقلل الفجوة بين الاجيال،  وتزيد مساحة التواصل .

وللحديث بقية ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق